نهاية عصر النفط؟ أضخم 5 مشاريع غيرت موازين القوى في الشرق الأوسط

نهاية عصر النفط؟ هكذا تتسابق السعودية والإمارات لامتلاك مستقبل الطاقة الخضراء

إعادة تشكيل الخارطة العالمية للطاقة

تاريخياً، ارتبط اسم الشرق الأوسط ارتباطاً وثيقاً بالنفط والغاز، حيث كانت المنطقة ولا تزال المورد الأضخم والأكثر تأثيراً في أسواق الطاقة العالمية. ومع ذلك، تشهد المنطقة حالياً تحولاً استراتيجياً عميقاً وإعادة تشكيل غير مسبوقة لمشهد الطاقة لديها. لم يعد الحديث مقتصراً على استخراج وتصدير الوقود الأحفوري، بل انتقل إلى سباق محموم نحو ريادة الطاقة المتجددة، لا سيما الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والتقنية الواعدة للهيدروجين الأخضر.

إن هذا التحول ليس مجرد استجابة لـ "حمى" التغيرات المناخية العالمية، بل هو جزء أصيل من رؤى اقتصادية وطنية طموحة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل، وضمان أمن الطاقة للأجيال القادمة، وتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء المدفوع بالنمو السكاني والصناعي ومشاريع البنية التحتية العملاقة. هذا المقال يقدم تحليلاً مفصلاً لأحدث مستجدات الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط، مستعرضاً أبرز المشاريع، الأهداف الوطنية، التحديات، والفرص الكامنة.

الفصل الأول: القوى الدافعة للتحول الأخضر في الشرق الأوسط

يمكن تلخيص الدوافع الرئيسية التي تقف وراء الاندفاع نحو الطاقة المتجددة في المنطقة في عدة محاور:

1. الرؤى الوطنية والتنويع الاقتصادي (Economic Diversification)

تمثل الرؤى الوطنية طويلة المدى، مثل رؤية السعودية 2030 واستراتيجية الإمارات للطاقة 2050، حجر الزاوية في هذا التحول. تهدف هذه الاستراتيجيات إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، واستغلال الموارد الطبيعية المتجددة الوفيرة (خاصة الشمس) لتوليد الكهرباء محلياً. هذا التوجه يحرر كميات أكبر من النفط والغاز للتصدير، أو يستخدمها كمدخلات ذات قيمة أعلى في الصناعات البتروكيماوية، مما يعزز العائد الاقتصادي الإجمالي.

2. أمن الطاقة وتزايد الطلب (Energy Security and Demand)

تواجه دول الشرق الأوسط، وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، معدلات نمو عالية في الطلب على الكهرباء، مدفوعة بشكل أساسي بزيادة استخدام تكييف الهواء (التبريد) ومشاريع تحلية المياه. يمثل الاعتماد على المصادر المتجددة، التي لا تخضع لتقلبات أسعار الوقود الأحفوري العالمية، وسيلة حيوية لتعزيز أمن واستقرار إمدادات الطاقة المحلية بتكلفة منخفضة نسبياً على المدى الطويل.

3. الالتزامات المناخية والمكانة العالمية (Climate Commitments)

أعلنت دول رئيسية في المنطقة عن التزاماتها بتحقيق صافي انبعاثات صفري (Net-Zero). كانت الإمارات أول دولة في المنطقة تلتزم بهدف الصفر الصافي بحلول عام 2050، تليها المملكة العربية السعودية التي حددت عام 2060 كهدف. استضافة مؤتمرات المناخ الكبرى، مثل COP28 في الإمارات، ضاعف من الضغط والالتزام بتسريع المشاريع الخضراء وترسيخ المكانة الإقليمية كقادة في مجال الاستدامة.

4. انخفاض تكلفة التكنولوجيا (Technological Cost Reduction)

شهدت تكلفة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية الكهروضوئية (PV) انخفاضاً حاداً على مستوى العالم. بفضل هذا الانخفاض، أصبحت الطاقة الشمسية في الشرق الأوسط، بفضل الإشعاع الشمسي الممتاز، قادرة على تحقيق أرقام قياسية عالمية في أدنى تكلفة للكهرباء، مما يجعلها الخيار الاقتصادي الأمثل لتوليد الطاقة الجديدة.

الفصل الثاني: المشاريع والمستجدات القطرية الرئيسية

تتوزع المستجدات على مشاريع عملاقة ومبادرات سياساتية متقدمة في أبرز الدول:

المملكة العربية السعودية: الطموح يقود التحول

تعتبر السعودية القوة الدافعة الأكبر للتحول في المنطقة، مستندة إلى إمكانيات هائلة في الطاقة الشمسية والرياح. الهدف الطموح لتوليد 50% من الكهرباء من المتجددات بحلول 2030 (حوالي 58.7 جيجاواط) يترجم إلى موجة استثمار وتطوير غير مسبوقة:

  • برنامج الطاقة المتجددة الوطني (NREP): يقود هذا البرنامج عملية طرح وتطوير المشاريع عبر الشركة السعودية لشراء الطاقة (SPPC). وقد تم ترسية مشاريع بقدرة إجمالية تجاوزت 19 جيجاواط في مراحل مختلفة من التشييد والتشغيل.

  • المشاريع العملاقة الجديدة (Megaprojects):

    • محطة الشعيـبة الكهروضوئية 2 (Al Shuaibah PV 2): من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم، بطاقة تتجاوز 2.6 جيجاواط، وتعمل على تعزيز هدف المملكة لتنويع مصادر الطاقة.

    • محطة الرس 2 (Ar Rass 2): بقدرة حوالي 2 جيجاواط.

    • محطة الكهفة (Al Kahfah): بقدرة 1.425 جيجاواط.

    • مشروع دومة الجندل لطاقة الرياح: من المشاريع الرائدة في طاقة الرياح بالمنطقة بقدرة 400 ميجاواط.

  • نيوم والهيدروجين الأخضر (NEOM Green Hydrogen): يعد مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر، بقدرة تصل إلى 4 جيجاواط من التحليل الكهربائي، الأضخم عالمياً حتى الآن. يهدف لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء للتصدير، مما يرسخ مكانة السعودية كقوة عظمى في طاقة المستقبل.

  • تخزين الطاقة (Energy Storage): طرحت الشركة السعودية لشراء الطاقة مناقصة لتطوير أنظمة تخزين طاقة البطاريات (BESS) على نطاق الشبكة بسعة إجمالية تبلغ 2 جيجاواط، وهي خطوة حاسمة لدمج المتجددات المتقطعة.

  • سلسلة التوريد المحلية: شهدت المملكة تدشين مصانع محلية لتصنيع مكونات الطاقة المتجددة، مثل مصنع أبراج طاقة الرياح لشركة اليمامة للصناعات الحديدية في ينبع، لتعزيز المحتوى المحلي ودعم التوطين الصناعي.

الإمارات العربية المتحدة: الريادة في التنفيذ والتكنولوجيا

تُعد الإمارات نموذجاً للتحول السريع والفعال، مدعومة بالبنية التحتية المالية واللوجستية المتقدمة:

  • مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية (MBR Solar Park): هو أكبر مجمع شمسي في موقع واحد في العالم، ويستهدف الوصول إلى 5 جيجاواط بحلول 2030. وقد حققت مراحله المتعاقبة أرقاماً قياسية في انخفاض تكلفة الكهرباء.

  • مشاريع "مصدر" العالمية والمحلية: تلعب شركة مصدر (Masdar) دوراً محورياً، حيث لا تقتصر استثماراتها على المشاريع الداخلية فحسب، بل تمتد عالمياً وإقليمياً لتعزيز مكانة الإمارات كمركز عالمي للطاقة النظيفة.

  • طاقة "على مدار الساعة" (Round-the-Clock Power): تعمل هيئة مياه وكهرباء أبوظبي (EWEC) وشركاؤها (مثل مصدر) على تطوير مشاريع تجمع بين الطاقة الشمسية الكهروضوئية وتخزين البطاريات الضخم (بسعة تتجاوز 19 جيجاواط ساعة) لتوفير طاقة أساسية مستمرة (Baseload power) على مدار 24 ساعة، وهو إنجاز تكنولوجي لضمان استقرار الشبكة.

  • التمويل المناخي: تعهدت الإمارات بـ30 مليار دولار كـ "رأس مال محفز" (Catalytic Capital) في قمة COP28 لدعم الاستثمارات المناخية على مستوى العالم.

جمهورية مصر العربية: قوة الرياح والطاقة الشمسية

تستهدف مصر الحصول على 42% من الكهرباء من المتجددات بحلول 2035، وتعتبر الأردن والبحر الأحمر مناطق حيوية لطاقة الرياح:

  • مجمع بنبان للطاقة الشمسية (Benban): على الرغم من تشغيله، لا يزال يُشار إليه كـ "إنجاز" كونه أحد أكبر المجمعات الشمسية في أفريقيا بقدرة 1.6 جيجاواط.

  • مشاريع الرياح في خليج السويس: تتوسع مصر في مشاريع طاقة الرياح على سواحل البحر الأحمر، حيث تتوفر إمكانيات رياح ممتازة، بدعم من مؤسسات تمويل دولية.

  • مشاريع الهيدروجين الأخضر: تتفاوض مصر على عدة مذكرات تفاهم وعقود إطارية لمشاريع هيدروجين أخضر ضخمة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بهدف التحول إلى مركز إقليمي لإنتاج وتصدير الوقود الأخضر.

  • الشراكات الأوروبية: تم توقيع خطابات نوايا وتمويل مع دول مثل النرويج (مشروع "دندرة" لتغذية مصنع الألومنيوم) لتعزيز مشاريع الطاقة النظيفة والصناعة المستدامة.

قطر وعُمان والبحرين: الاستثمارات المتنامية

  • قطر: بعد تشغيل محطة الخرسعة الشمسية بقدرة 800 ميجاواط، تدرس قطر جدوى مشاريع شمسية ورياح أخرى واسعة النطاق لمواصلة تنويع مزيج الطاقة والحد من استهلاك الغاز محلياً.

  • سلطنة عُمان: تتركز جهود السلطنة على ريادة الهيدروجين الأخضر، مع تأسيس تحالفات ومناطق مخصصة (مثل الدقم وصلالة) لمشاريع بمليارات الدولارات تهدف إلى أن تصبح عُمان من أكبر خمسة مُصدرين للهيدروجين الأخضر عالمياً.

  • البحرين والكويت: تسعى البحرين لتلبية 10% من استهلاك الكهرباء من الطاقة المتجددة بحلول 2035، بينما تواصل الكويت العمل على مشاريعها في إطار استراتيجيتها لزيادة حصة الطاقة النظيفة. كما أطلقت البحرين أول مناقصة لمشروع مستقل للطاقة الشمسية (IPP) بقدرة 150 ميجاواط بالقرب من بلاج الجزيرة.

الفصل الثالث: التطورات التكنولوجية والفرص الجديدة

لم يعد التركيز على بناء المزارع الشمسية والرياح فحسب، بل يمتد ليشمل تقنيات مكملة وحاسمة للتحول:

1. تخزين الطاقة على نطاق الشبكة (Grid-Scale BESS)

يمثل التخزين العمود الفقري لدمج كميات ضخمة من الطاقة المتجددة المتقطعة. المستجد الأهم هو إطلاق المناقصات الكبرى لتطوير أنظمة بطاريات تخزين الطاقة بسعات جيجاواط ساعة، كما هو الحال في السعودية والإمارات. هذه الأنظمة ضرورية لضمان استقرار الشبكة وتوفير الكهرباء في المساء أو أثناء انخفاض سرعة الرياح.

2. الهيدروجين الأخضر (Green Hydrogen) كوقود للمستقبل

يتجاوز الهيدروجين الأخضر كونه مجرد مصدر للطاقة ليصبح سلعة تصدير استراتيجية. الاستثمارات في هذا القطاع في المنطقة تنطلق من كونه:

  • وقود للتصدير: لتعويض الإيرادات المتوقعة من تراجع الطلب على النفط والغاز على المدى البعيد.

  • وقود لإزالة الكربون: يستخدم في الصناعات التي يصعب التخلص من انبعاثاتها (Hard-to-Abate Sectors) مثل صناعة الصلب والأمونيا والنقل الثقيل.

  • ناقل للطاقة (Energy Carrier): يمكن تحويله إلى أمونيا خضراء ونقله بحراً إلى أسواق الاستهلاك في أوروبا وآسيا.

3. تحلية المياه بالطاقة المتجددة (Renewable Desalination)

تعتبر تحلية المياه من أكبر مستهلكي الطاقة في المنطقة. يتجه المستجد إلى ربط مشاريع التحلية بالطاقة المتجددة مباشرة، مما يقلل من الانبعاثات وتكاليف التشغيل. تشهد المنطقة مشاريع تجريبية وواسعة النطاق لإنشاء محطات تحلية تعمل كلياً بالطاقة الشمسية أو الرياح.

4. دمج الطاقة النووية (Nuclear Energy)

على الرغم من أنها ليست متجددة، إلا أن الطاقة النووية النظيفة تلعب دوراً مكملاً في استراتيجية الحياد الكربوني في المنطقة (خاصة في الإمارات والسعودية). توفر المحطات النووية طاقة أساسية موثوقة وثابتة وخالية من الكربون لدعم المشاريع المتقطعة للطاقة المتجددة.

الفصل الرابع: التحديات الجوهرية على طريق التحول

رغم الحماس والإنجازات، يواجه التحول الأخضر في الشرق الأوسط تحديات هيكلية ولوجستية:

1. البيروقراطية التنظيمية وسعر التعادل (Regulatory Hurdles and Level Playing Field)

في بعض الدول، لا تزال الإجراءات البيروقراطية وعقبات الترخيص تعيق سرعة تطوير مشاريع الطاقة المتجددة. الأهم من ذلك، يستمر دعم الوقود الأحفوري بشكل واسع في بعض الأسواق، مما يجعل التنافس صعباً على الطاقة المتجددة حتى لو كانت أقل تكلفة في التوليد. يتطلب الأمر إصلاحات في آليات التسعير والتحرير التدريجي لأسواق الطاقة.

2. استثمارات البنية التحتية للشبكة (Grid Infrastructure Investment)

لدمج سعات هائلة من الطاقة الشمسية والرياح، تحتاج شبكات الكهرباء الحالية إلى ترقيات ضخمة. تتطلب الطبيعة المتقطعة لهذه المصادر أنظمة تحكم ذكية وشبكات أكثر مرونة، بالإضافة إلى استثمارات هائلة في محطات التخزين. هذه الاستثمارات تتطلب تمويلاً كبيراً قد يؤدي إلى زيادة في أسعار الكهرباء على المدى القصير إذا لم يتم استيعابها بحكمة.

3. تحديات سلاسل التوريد العالمية والتوطين (Supply Chain and Localisation)

تعتمد المنطقة بشكل كبير على استيراد الألواح الشمسية وتوربينات الرياح ومكونات الهيدروجين الأخضر. أدت التقلبات في سلاسل التوريد العالمية وارتفاع أسعار المواد الخام إلى تحديات في التكاليف والجداول الزمنية للمشاريع. يواجه طموح التوطين (Localisation) صعوبة في التنافس مع التكاليف المنخفضة للمصنعين الآسيويين، على الرغم من الجهود المبذولة لإنشاء مصانع محلية (كما في السعودية).

4. ندرة المياه (Water Scarcity)

على الرغم من أن الطاقة الشمسية لا تستهلك المياه أثناء التشغيل، إلا أن تنظيف الألواح الشمسية في البيئات الصحراوية المتربة يتطلب كميات كبيرة من المياه، وهو مورد نادر في المنطقة. هذا التحدي يدفع نحو البحث في تقنيات التنظيف الجاف الفعالة واستخدام الروبوتات.

خلاصة وتوقعات مستقبلية: تسارع لا رجعة فيه

يشهد الشرق الأوسط حالياً مرحلة حاسمة في تاريخ الطاقة. الانتقال من الاعتماد شبه الكلي على الوقود الأحفوري إلى تبني تقنيات الطاقة المتجددة ليس خياراً تكميلياً، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان الازدهار المستدام.

تشير التوقعات إلى أن تسارع التحول الأخضر في الشرق سيتفوق على الغرب في العقد القادم، خاصة مع بدء تشغيل المشاريع العملاقة للهيدروجين الأخضر ومركبات الطاقة الشمسية مع أنظمة التخزين. الاستثمارات الإقليمية في هذا القطاع من المتوقع أن تصل إلى أكثر من 75 مليار دولار بحلول 2030.

في الختام، نجحت دول الشرق الأوسط في تجاوز مرحلة الوعود إلى مرحلة الإنجاز والتنفيذ، مقدمة نموذجاً عالمياً لكيفية استغلال الموارد الطبيعية المحلية (الشمس والرياح) للتحول إلى مركز عالمي للطاقة المستدامة، وبناء اقتصاد مستقبلي أكثر مرونة وتنوعاً. المستقبل الأخضر في الشرق الأوسط لم يعد مجرد رؤية، بل حقيقة تتشكل بسرعة فائقة.

المصدر..

خمسة مشاريع رئيسية للطاقة المتجددة تُسهم في تحقيق أهداف المملكة العربية السعودية في مجال الطاقة المتجددة من موقع "scavo.sa"

A.S
A.S
تعليقات