الفحم الحجري دليل شامل

يتفاوت الفحم الحجري في جودته وخصائصه حسب درجة التحول التي تعرضت لها المواد النباتية الأصلية، وينقسم إلى عدة أنواع بناءً على محتواه من الكربون والشوائب، وهي: أنثراسايت (الفحم الصلب)، وبيتيومينوس (الفحم الحجري الناعم)، وسوب-بيتيومينوس، وليجنايت (الفحم البني). يستخدم الفحم الحجري بشكل رئيسي في توليد الكهرباء وصناعة الصلب وإنتاج الطاقة الحرارية.

تاريخ استخدام الفحم الحجري

يتمتع الفحم الحجري بتاريخ طويل يمتد إلى العصور القديمة، حيث كان يستخدمه الصينيون منذ حوالي 2000 سنة قبل الميلاد لأغراض التدفئة وصناعة الفخار. كما استخدمه الرومان في القرون الأولى للميلاد في تدفئة المنازل وصناعة المعادن.

استمر الفحم الحجري في لعب دور رئيسي في الاقتصاد العالمي خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث كان يُستخدم بشكل واسع في تشغيل القطارات والسفن البخارية وتوليد الكهرباء. على الرغم من التراجع التدريجي في استخدام الفحم الحجري مع ظهور مصادر الطاقة البديلة مثل النفط والغاز الطبيعي والطاقة النووية، إلا أنه لا يزال يُستخدم بشكل كبير في العديد من دول العالم، خاصة في توليد الكهرباء والصناعات الثقيلة.

أنواع الفحم الحجري

يوجد عدة أنواع من الفحم الحجري، تتفاوت في تكوينها وخصائصها، منها:الأنثراسيت: أعلى أنواع الفحم من حيث الكربون والنقاوة، ويستخدم أساسًا في التدفئة المنزلية.

• البيتومين: الفحم الأكثر استخدامًا في الصناعة وتوليد الطاقة.
• السابيتومين: نوع أقل نقاوة من البيتومين ويستخدم في بعض الصناعات.
• الليغنيت: يحتوي على نسبة عالية من الرطوبة ويستخدم في توليد الطاقة بشكل أقل كفاءة.

أهمية الفحم الحجري في الصناعة والاقتصاد

يلعب الفحم الحجري دورًا حيويًا في الصناعة والاقتصاد على مستوى العالم. يعتبر مصدرًا رئيسيًا للطاقة بسبب قدرته على إنتاج كميات كبيرة من الحرارة عند احتراقه، مما يجعله ضروريًا في العديد من الصناعات الحيوية.

1. توليد الكهرباء: يستخدم الفحم الحجري بشكل رئيسي في محطات توليد الكهرباء، حيث يتم حرقه لتوليد البخار الذي يدير التوربينات لإنتاج الكهرباء. يعتبر الفحم مصدرًا أساسيًا للطاقة في العديد من الدول، خاصة تلك التي تمتلك احتياطيات كبيرة منه.
2. إنتاج الفولاذ: يلعب الفحم الحجري دورًا أساسيًا في صناعة الفولاذ. يستخدم الفحم في شكل الكوك، وهو نوع من الفحم الحجري يتم معالجته لإزالة الشوائب، كعامل اختزال في أفران الصهر لإنتاج الحديد من خام الحديد. الحديد المنتج يتم تحويله بعد ذلك إلى فولاذ، وهو مادة أساسية في البناء والصناعات التحويلية.
3. الصناعات الكيميائية: يستخدم الفحم الحجري أيضًا في الصناعات الكيميائية لإنتاج مجموعة واسعة من المواد الكيميائية، بما في ذلك القطران والأمونيا والمواد المستخدمة في صناعة الأسمدة والمبيدات الحشرية.
4. تعزيز الاقتصاد: يسهم الفحم الحجري في تعزيز الاقتصاد من خلال توفير وظائف في مجالات التعدين والنقل والصناعات التحويلية. كما يوفر الفحم الحجري المواد الخام الحيوية اللازمة للعديد من الصناعات، مما يعزز الإنتاج الصناعي والتجاري.

بالإضافة إلى ذلك، تعتمد العديد من الدول على صادرات الفحم الحجري كجزء من استراتيجياتها الاقتصادية لتعزيز الميزان التجاري ودعم النمو الاقتصادي. على الرغم من التحديات البيئية المرتبطة باستخدام الفحم الحجري، لا يزال له دور بارز في العديد من اقتصادات العالم، خاصة في الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة منه وتفتقر إلى بدائل طاقة أكثر نظافة وفعالية.

كيفية تكوين الفحم الحجري

يتكون الفحم الحجري من خلال عملية طويلة ومعقدة تشمل عدة مراحل جيولوجية. تبدأ هذه العملية بدفن النباتات الميتة في بيئات رطبة وخالية من الأكسجين، مثل المستنقعات. في مثل هذه الظروف، لا تتحلل المواد النباتية بشكل كامل وتتحول بمرور الوقت إلى مادة عضوية تُعرف باسم "الخث" (peat).

• تكوين الخث (Peat Formation):يتراكم الخث عندما تتجمع المواد النباتية الميتة في مستنقعات ومناطق رطبة أخرى حيث تكون الظروف اللاهوائية تمنع تحللها الكامل. هذه المرحلة تستغرق آلاف السنين وتعتبر الخطوة الأولى نحو تكوين الفحم الحجري.
• الضغط والدفن (Burial and Compression):بمرور الوقت، يتم دفن طبقات الخث تحت طبقات أخرى من الرواسب. يزداد الضغط والحرارة نتيجة لعمليات الدفن العميق، مما يؤدي إلى ضغط المواد النباتية وفقدانها للماء والغازات المتبقية. هذا التحول ينتج مادة أكثر كثافة وصلابة تُعرف باسم "الليجنايت" (lignite) أو الفحم البني.
• تحول الليجنايت (Lignite Transformation):مع مرور الزمن واستمرار عمليات الضغط والدفن، يتحول الليجنايت إلى فحم أكثر صلابة وكثافة يُعرف باسم "الفحم تحت القاري" (sub-bituminous coal). في هذه المرحلة، يزداد محتوى الكربون في الفحم ويقل محتوى الرطوبة والشوائب.
• التغير إلى الفحم القاري (Bituminous Coal Formation):يستمر التحول بزيادة الضغط والحرارة ليصبح الفحم القاري (bituminous coal). هذا النوع من الفحم يحتوي على نسبة عالية من الكربون والطاقة الحرارية، ويُستخدم بشكل واسع في توليد الكهرباء وصناعة الفولاذ.
• تكوين الأنثراسايت (Anthracite Formation):في بعض الحالات، يمكن أن يتعرض الفحم القاري لمزيد من التحول الجيولوجي ليصبح "الأنثراسايت" (anthracite)، وهو أقدم وأصلب أنواع الفحم الحجري. الأنثراسايت يحتوي على أعلى نسبة من الكربون وأقل كمية من الشوائب، ويُعتبر أنظف أنواع الفحم احتراقًا.

كل هذه المراحل تتطلب ملايين السنين وتحدث تحت تأثير عوامل جيولوجية متعددة تشمل الضغط والحرارة وظروف الدفن المناسبة. هذه العملية الطويلة والمعقدة هي ما يحول المواد النباتية البدائية إلى الفحم الحجري الذي نعرفه اليوم.العوامل المؤثرة في تكوين الفحم الحجري.

الأماكن الجغرافية لاستخراج الفحم الحجري

توجد مناجم الفحم الحجري في العديد من الأماكن حول العالم، حيث تختلف هذه الأماكن في جودة وكمية الفحم المتوفر بها. من أبرز هذه الدول التي تحتوي على احتياطيات كبيرة من الفحم الحجري:

1. الولايات المتحدة:تمتلك الولايات المتحدة احتياطيات ضخمة من الفحم الحجري، خاصة في ولايات مثل وايومنغ، وفرجينيا الغربية، وبنسلفانيا، وإلينوي. منطقة حوض نهر باودر (Powder River Basin) في وايومنغ تعتبر من أكبر المناطق إنتاجًا للفحم في البلاد.
2. الصين:تُعتبر الصين أكبر منتج للفحم الحجري في العالم. توجد مناجم الفحم الرئيسية في مناطق مثل شانشي، ومنغوليا الداخلية، وشنشي. الفحم الحجري يلعب دورًا كبيرًا في تلبية احتياجات الصين من الطاقة.
3. روسيا:تحتوي روسيا على احتياطيات كبيرة من الفحم الحجري، خاصة في مناطق سيبيريا وكوزباس (Kuzbass) والتي تعتبر من أكبر مناطق إنتاج الفحم في البلاد. روسيا تعتبر من أكبر الدول المصدرة للفحم.
4. الهند:الهند تُعد واحدة من أكبر الدول المنتجة والمستهلكة للفحم الحجري. توجد مناجم الفحم الرئيسية في مناطق جهارخاند، وأوديشا، وتشاتيسغار، والبنغال الغربية. الفحم الحجري يلعب دورًا حيويًا في توليد الكهرباء في الهند.
5. أستراليا:أستراليا من بين أكبر الدول المنتجة والمصدرة للفحم الحجري. توجد مناجم الفحم الرئيسية في ولايات كوينزلاند ونيو ساوث ويلز. الفحم الأسترالي يتميز بجودته العالية ويُصدر إلى العديد من الدول حول العالم.
6. جنوب إفريقيا:تحتوي جنوب إفريقيا على احتياطيات كبيرة من الفحم الحجري، خاصة في حوض مبومالانجا ووتر بيرج (Mpumalanga and Waterberg Basin). الفحم الحجري يلعب دورًا مهمًا في قطاع الطاقة والصناعة في البلاد.

هذه الأماكن الجغرافية تعتبر من أهم المناطق في العالم لاستخراج الفحم الحجري، حيث تساهم بشكل كبير في تلبية الاحتياجات العالمية من الطاقة والصناعة. تختلف جودة الفحم وكمياته بين هذه المناطق، مما يؤثر على استخداماته وتجارته الدولية.استخدامات الفحم الحجري

استخدامات الفحم الحجري في توليد الطاقة

يعد توليد الكهرباء الاستخدام الرئيسي للفحم الحجري، حيث يتم استخدامه بشكل واسع في محطات توليد الطاقة الكهربائية. العملية تتضمن الخطوات التالية:

• حرق الفحم:يتم حرق الفحم الحجري في غلايات ضخمة لتوليد حرارة عالية. الفحم الحجري يُحرق في أفران خاصة تُعرف بالأفران الحرارية، والتي تكون مجهزة بأنظمة لضبط درجة الحرارة والتحكم في عملية الاحتراق.
• تسخين الماء:تنتج الحرارة الناتجة عن احتراق الفحم بخار ماء عند درجات حرارة وضغط عالٍ. هذا يتم عن طريق تمرير الماء عبر أنابيب موجودة داخل الغلايات.
• تشغيل التوربينات:يستخدم البخار الناتج لتشغيل توربينات ضخمة. البخار يمر عبر شفرات التوربينات، مما يؤدي إلى دورانها بسرعة عالية. هذه الحركة الميكانيكية تُحول الطاقة الحرارية إلى طاقة ميكانيكية.
• توليد الكهرباء:تُستخدم التوربينات الدوارة لتشغيل مولدات كهربائية. المولدات تحول الطاقة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية من خلال عملية الحث الكهرومغناطيسي. الكهرباء المنتجة تُنقل عبر شبكة الكهرباء لتصل إلى المنازل والمنشآت الصناعية والتجارية.
• التبريد وإعادة التدوير:بعد مرور البخار عبر التوربينات، يتم تبريده وتحويله مرة أخرى إلى ماء لإعادة استخدامه في العملية. هذه العملية تتم في مكثفات خاصة، حيث يتم إعادة تدوير الماء إلى الغلايات.

استخدام الفحم الحجري في توليد الكهرباء يتميز بالقدرة على إنتاج كميات كبيرة من الطاقة بشكل مستمر، مما يجعله مناسبًا لتلبية احتياجات الطاقة الأساسية. ومع ذلك، فإن هذه العملية لها تأثيرات بيئية سلبية، تشمل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والملوثات الأخرى التي تساهم في التغير المناخي وتلوث الهواء. لذلك، يتم البحث عن طرق لتحسين كفاءة استخدام الفحم وتطوير تقنيات للحد من الانبعاثات الضارة، مثل تقنيات احتجاز وتخزين الكربون (CCS).دور الفحم الحجري في الصناعات المختلفة.

يستخدم الفحم الحجري أيضًا في صناعة الفولاذ، حيث يتم استخدامه كعامل مختزل في أفران الصهر. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم في إنتاج الأسمنت والصناعات الكيماوية.

استخدامات الفحم الحجري في الطب والكيمياء

يتم استخدام الفحم النشط، وهو شكل من أشكال الفحم المعالج بطرق خاصة، في العديد من المجالات الطبية والكيميائية. يتصف الفحم النشط بقدرته العالية على الامتصاص، مما يجعله مفيدًا في التطبيقات التالية:

1. تنقية المياه:يُستخدم الفحم النشط في أنظمة تنقية المياه لإزالة الشوائب والملوثات. قدرته على امتصاص المواد العضوية والكيماويات تساهم في تحسين جودة المياه وجعلها صالحة للشرب والاستخدامات الأخرى.
2. معالجة التسمم:يُستخدم الفحم النشط في الطب كعلاج طارئ لحالات التسمم. عند ابتلاع مواد سامة، يمكن للفحم النشط أن يرتبط بالسموم في المعدة والأمعاء، مما يمنع امتصاصها إلى الجسم ويساعد في إخراجها مع الفضلات.
3. تصنيع الأدوية:يُستخدم الفحم النشط كمادة فعالة في بعض الأدوية، خاصة تلك التي تعالج مشاكل الجهاز الهضمي مثل الغازات والانتفاخ. الفحم النشط يساعد في تخفيف الأعراض عن طريق امتصاص الغازات والمواد المسببة للانتفاخ.
4. مستحضرات التجميل:يُستخدم الفحم النشط في صناعة مستحضرات التجميل ومنتجات العناية بالبشرة. يدخل في تركيب بعض أنواع الصابون، والأقنعة، ومنتجات تقشير البشرة. قدرته على امتصاص الزيوت والشوائب تجعله مكونًا شائعًا لتنظيف البشرة وتحسين مظهرها.
5. الصناعات الكيميائية:يُستخدم الفحم النشط في العديد من العمليات الكيميائية كمادة مضافة لتنقية المواد الكيميائية والفصل بين المركبات. يُستخدم أيضًا في تصنيع بعض المنتجات الكيماوية والمحفزات.

الفحم النشط يتميز بمساميته العالية وسطحه الكبير، مما يعزز قدرته على الامتصاص والتفاعل مع المواد المختلفة. يتم إنتاجه عن طريق معالجة الفحم الطبيعي بطرق خاصة تشمل التسخين في بيئة خالية من الأكسجين، مما يزيد من مساحة سطحه الفعالة ويعزز خصائصه الامتصاصية.

فوائد الفحم الحجري

على الرغم من أن الفحم الحجري يسبب تلوثًا بيئيًا، إلا أن هناك فوائد بيئية محددة له، مثل استخدام الفحم النشط في تنقية المياه والهواء.

الفوائد الصحية للاستخدامات الطبية للفحم الحجري

الفوائد الاقتصادية لاستخدام الفحم الحجري

كيفية استخراج الفحم الحجري

عملية استخراج الفحم الحجري تتضمن عدة خطوات، ويمكن أن تتم بطرق مختلفة بناءً على نوع وموقع الترسبات. من بين أهم الطرق المستخدمة:

• التعدين السطحي:في هذه العملية، يتم استخراج الفحم الحجري من سطح الأرض. يتم تفتيت الأرض العلوية للوصول إلى الطبقات الفحمية، ويتم حفر الفحم باستخدام معدات ثقيلة مثل الحفارات والجرافات. يتم نقل الفحم المستخرج إلى المناطق التخزينية أو مواقع معالجته.
• التعدين تحت الأرض:يتم استخراج الفحم الحجري في هذه العملية من تحت سطح الأرض. يتم حفر ممرات أو أنفاق داخل الأرض للوصول إلى الترسبات الفحمية، ثم يتم استخراج الفحم باستخدام معدات التعدين المتخصصة مثل الحفارات وآلات الحفر وناقلات الفحم. يتم نقل الفحم المستخرج إلى السطح للمعالجة والتخزين.
• التعدين بالتقنيات الحديثة:تشمل هذه الطريقة استخدام التقنيات المتقدمة مثل التعدين بالغسيل والتعدين بالتسليح الهيدروليكي والتعدين بالغازات. تستخدم هذه التقنيات لاستخراج الفحم من تحت الأرض بطرق أكثر فعالية وصديقة للبيئة.

بعد استخراج الفحم، يتم تنقيته وتصنيفه ومعالجته حسب الاحتياجات المحددة، ثم يتم نقله للاستخدام في توليد الكهرباء أو الصناعات الأخرى. تعتمد عملية استخراج الفحم على العديد من العوامل مثل نوع الترسبات وعمقها وتوفر التقنيات والبيئة المحلية.

تأثير الفحم الحجري على تغير المناخ

يعتبر حرق الفحم الحجري أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في تغير المناخ، حيث يساهم في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة إلى الجو. تعتبر ثاني أكسيد الكربون (CO2) الناتج عن احتراق الفحم الحجري من أكبر هذه الانبعاثات. يؤدي ارتفاع مستويات غازات الدفيئة في الجو إلى زيادة فعالية الحرارة الشمسية المحتجزة داخل الغلاف الجوي، مما يؤدي بالتالي إلى ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض وتغيرات مناخية متعددة الأبعاد.

بالإضافة إلى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، يترافق حرق الفحم الحجري مع انبعاثات لملوثات أخرى مثل أكاسيد النيتروجين والكبريت، والتي قد تسهم أيضًا في تغير المناخ وتأثيراته السلبية على البيئة والصحة العامة.

وبالنظر إلى أن الفحم الحجري يعد مصدرًا رئيسيًا للطاقة في العديد من الدول، فإن تقليل تأثيراته السلبية على المناخ يتطلب اعتماد تقنيات أكثر كفاءة لاحتراقه واستخدامه، بالإضافة إلى التوجه نحو مصادر طاقة نظيفة ومستدامة كبديل له.

الختام